{إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدنيا} بدل من {يَوْمَ الفرقان}، والعدوة بالحركات الثلاث شط الوادي وقد قرئ بها، والمشهور الضم والكسر وهو قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب. {وَهُم بالعدوة القصوى} البعدى من المدينة، تأنيث الأقصى وكان قياسه قلب الواو ياء كالدنيا والعليا تفرقة بين الاسم والصفة فجاء على الأصل كالقود وهو أكثر استعمالاً من القصيا. {والركب} أي العير أو قوادها. {أَسْفَلَ مِنكُمْ} في مكان أسفل من مكانكم يعني الساحل، وهو منصوب على الظرف واقع موقع الخبر والجملة حال من الظرف قبله، وفائدتها الدلالة على قوة العدو واستظهارهم بالركب وحرصهم على المقاتلة عنها وتوطين نفوسهم على أن لا يخلوا مراكزهم ويبذلوا منتهى جهدهم، وضعف شأن المسلمين والتياث أمرهم واستبعاد غلبتهم عادة، وكذا ذكر مراكز الفريقين فإن العدوة الدنيا كانت رخوة تسوخ فيها الأرجل ولا يمشي فيها إلا بتعب ولم يكن بها ماء، بخلاف العدوة القصوى وكذا قوله: {وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الميعاد} أي لو تواعدتم أنتم وهم القتال ثم علمتم حالكم وحالهم لاختلفتم أنتم في الميعاد هيبة منهم، ويأساً من الظفر عليهم ليتحققوا أن ما اتفق لهم من الفتح ليس إلا صنعاً من الله تعالى خارقاً للعادة فيزدادوا إيماناً وشكراً. {ولكن} جمع بينكم على هذه الحال من غير ميعاد. {لّيَقْضِيَ الله أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} حقيقاً بأن يفعل وهو نصر أوليائه وقهر أعدائه، وقوله: {لّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ ويحيى مَنْ حَىَّ عَن بَيّنَةٍ} بدل منه أو متعلق بقوله مفعولاً والمعنى: ليموت من يموت عن بينة عاينها ويعيش من يعيش عن حجة شاهدها لئلا يكون له حجة ومعذرة، فإن وقعة بدر من الآيات الواضحة. أو ليصدر كفر من كفر وإيمان من آمن عن وضوح بينة على استعارة الهلاك والحياة للكفر والإِسلام، والمراد بمن هلك ومن حي المشارف للهلاك والحياة، أو من هذا حاله في علم الله وقضائه. وقرئ: {ليَهْلَكَ} بالفتح وقرأ ابن كثير ونافع وأبو بكر ويعقوب من {حيي} بفك الإِدغام للحمل على المستقبل. {وَإِنَّ الله لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} بكفر من كفر وعقابه، وإيمان من آمن وثوابه، ولعل الجمع بين الوصفين لاشتمال الأمرين على القول والاعتقاد.